الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (نسخة منقحة)
(نَشْهَدُ بِالْحَقِّ) بِيَقِينٍ وَصِدْقٍ (بِلَا ارْتِيَابِ) بِدُونِ شَكٍّ (بِأَنَّهُ الْمُرْسَلُ بِالْكِتَابِ) بِالْقُرْآنِ إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا.قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِبِعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 164]، وَقَالَ تَعَالَى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْجُمُعَةِ: 2-4]، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التَّوْبَةِ: 128]، يَمْتَنُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَجَلِّ نِعَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَأَعْظَمِهَا وَأَعْلَاهَا وَأَتَمِّهَا وَأَكْمَلِهَا إِرْسَالِهِ فِيهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، بِكَلَامِهِ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ، وَهُوَ كِتَابُهُ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ؛ لِيَهْدِيَهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَيُبَصِّرَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَمَى، وَيُنْقِذَهُمْ بِهِ مِنْ دَرَكَاتِ الرَّدَى، وَيُخْرِجَهُمْ بِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [إِبْرَاهِيمَ: 1]، يَا لَهَا نِعْمَةً مَا أَعْظَمَهَا وَأَجَلَّهَا، وَمِنَّةً مَا أَكْمَلَهَا وَأَجْزَلَهَا {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 164]، أَكْمَلَ تِلْكَ النِّعْمَةَ وَأَتَمَّهَا وَزَادَهَا إِجْلَالًا بِكَوْنِ ذَلِكَ الرَّسُولِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؛ يَعْرِفُونَ شَخْصَهُ وَنَسَبَهُ وَرَحِمَهُ، مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا وَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ نَسَبٌ {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشُّورَى: 23]، ثُمَّ جَعَلَ الرِّسَالَةَ بِلِسَانِهِمُ الَّذِي بِهِ يَتَحَاوَرُونَ، وَمِنْ جِنْسِ كَلَامِهِمُ الَّذِي فِيهِ يَتَفَاخَرُونَ، مُعْجِزًا بِالْفَصَاحَةِ الَّتِي فِي مَيْدَانِهَا يَتَسَابَقُونَ بِأَوْضَحِ الْمَبَانِي وَأَفْصَحِهَا، وَأَكْمَلِ الْمَعَانِي وَأَصَحِّهَا، مَعَ اتِّسَاقِ سِيَاقِهِ وَسَلَاسَةِ أَلْفَاظِهِ، وَانْتِسَاقِ تَرَاكِيبِهِ وَمَلَاحَةِ مُفْرَدَاتِهِ.ثُمَّ مَعَ هَذَا التَّالِي لَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ ثُمَّ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَدٍّ لِتِلْكَ الْأَمَانَةِ مُبَلِّغٌ كَلَامَ رَبِّهِ كَمَا قَالَ رَبُّ الْعِزَّةِ، لَمْ يَقُلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَعْنَى فَقَطْ بَلْ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} الضَّمِيرُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِيَسْمَعُوا لَذِيذَ خِطَابِهِ، وَيَتَأَمَّلُوا لِطَيْفَ عِتَابِهِ {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، {وَيُزَكِّيهِمْ} يُطَهِّرُهُمْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حِسًّا وَمَعْنًى لِمَنِ الْتَزَمَهُ وَاتَّبَعَهُ، أَمَّا قُلُوبُهُمْ فَيُزَكِّيهَا بِالْإِيمَانِ مِنْ دَنَسِ وَرِجْسِ الشِّرْكِ وَرِجْزِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الْحَجِّ: 30]، وَ{وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ} [الْمُدَّثِّرِ: 5]، وَكَذَا يُطَهِّرُهُمْ بِمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ مِنْ مَسَاوِئِهَا، وَكَذَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَكَذَا يُطَهِّرُ ظَوَاهِرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الطَّهَارَاتِ الْحِسِّيَّةِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ على اختلاف أضربها {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} الْقُرْآنَ الْمَجِيدَ {وَالْحِكْمَةَ} السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ الَّتِي هِيَ تِبْيَانُ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرُهُ وَتَوْضِيحُهُ، وَتَدُلُّ كما قال الله تَعَالَى لَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النَّحْلِ: 44]، وَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُوتِيتُ الْقُرْآنَ مِثْلَهُ» يَعْنِي السُّنَّةَ.{وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ} إِرْسَالِهِ إِلَيْهِمْ وَبَعْثِهِ فِيهِمْ {لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} مِنَ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ السُّبُلِ الْمُضِلَّةِ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُوجِبَةِ لِدُخُولِ جَهَنَّمَ، وَالْخُلُودِ فِي عَذَابِهَا الْأَلِيمِ الْمُقِيمِ، أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا. وَذَلِكَ تَأْوِيلُ دَعْوَةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ يَقُولُ فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْبَقَرَةِ: 129]، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ تِلْكَ الدَّعْوَةَ الْمُبَارَكَةَ كَمَا قَضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ وَسَبَقَ عَلِمُهُ وَسَطَرَهُ فِي كِتَابِهِ، وَأَخَذَ عَلَى رُسُلِهِ الْمِيثَاقَ فِي الْإِيمَانِ بِهِ وَالْقِيَامِ بِنَصْرِهِ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 81-82]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ: «كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ مُنْجَدِلٍ فِي طِينَتِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» يَعْنِي وَجَبَتْ لَهُ فِي الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ السَّائِلَ قَالَ لَهُ: مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى وَرُؤْيَا أُمِّي» أَوْ كَمَا قَالَ، فَأَمَّا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ فَمَا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَأَمَّا بُشْرَى عِيسَى فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصَّفِّ: 6]، الْآيَةَ، وَأَمَّا رُؤْيَا أُمِّهِ فَإِنَّهَا رَأَتْ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، الْحَدِيثَ. وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ بِالرِّسَالَةِ كَمَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [الْمُنَافِقُونَ: 63]، وَقَالَ تَعَالَى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النِّسَاءِ: 166]، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [الْبَقَرَةِ: 119]، الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الْأَحْزَابِ 45]، الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النِّسَاءِ: 79]، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي عُمُومِ رِسَالَتِهِ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سَبَأٍ: 28]، وقال تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الْأَعْرَافِ: 156-158]، وَمَعْنَى كَوْنِهِ أُمِّيًّا: لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ، وَكَذَلِكَ أَمَّتُهُ أُمَيَّةٌ لَا يَقْرَءُونَ وَلَا يَكْتُبُونَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} [الْقَصَصِ: 86]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 48]، الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} [الشُّورَى: 52]، وَقَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [هُودٍ: 49]، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا فِي ذِكْرِ عُمُومِ رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ الشَّرَائِعِ مِنْ قَبْلِهِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الْمَائِدَةِ: 15-16]، الْآيَاتِ، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 64]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 101]، وَقَالَ: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الْبَقَرَةِ: 89]، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيْتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وَفِيهِ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» وَفِي حَدِيثِ الْخَصَائِصِ، «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا وَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لضللتم» وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لوكان مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي» وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عِيسَى يَنْزِلُ حَكَمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِيمُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نَاسِخَ وَلَا مُغَيِّرَ لِشَرِيعَتِهِ، وَلَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجَ عَنْهَا. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَمِنْهَا تَسْبِيحُ الطَّعَامِ وَتَكْثِيرُ الْقَلِيلِ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْ أَصَابِعِهِ الشَّرِيفَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا. كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ: اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ. فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ. فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ» وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ فَوَضْعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، قَالَ: وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ».وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ، فَجَهِشَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَوَضْعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً»، وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حتى روينا ورويت وَأَصْدَرَتْ رَكَائِبُنَا».وَعَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا؛ فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي، وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ.قَالَ: بِطَعَامٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا. فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ، فَقَالَ رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هلم يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ؟ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ. فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ. فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ حَتَّى شَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا».وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي تَرَكَ دَيْنًا وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ، وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ، فَانْطِلَقْ مَعِي لِكَيْلَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ، فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ، فَدَعَا ثَمَّ آخَرَ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ: انْزِعُوهُ. فَأَوْفَاهُمُ الَّذِي لَهُمْ وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ».وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الطَّوِيلِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ: «ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شيء من مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وَضَوْءًا دُونَ وُضُوءٍ، قَالَ: وَبَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: احْفَظْ عَلَيْنَا مَيْضَأَتَكَ فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ» الْحَدِيثَ، إِلَى أَنْ قَالَ: «فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ وَحَمِيَ كُلُّ شَيْءٍ وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطِشْنَا فَقَالَ: لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ. ثُمَّ قَالَ: اطْلِقُوا لِي غُمْرِي. قَالَ: وَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ، فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِي الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللِّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْسَنُوا الْمَلْءَ كُلُّكُمْ سَيُرْوَى. قَالَ: فَفَعَلُوا، فَجَعَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصب وأسقيهم حَتَّى مَا بَقِيَ غَيْرِي وَغَيْرِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ثم صب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: اشْرَبْ. فَقُلْتُ: لَا أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: إِنَّ سَاقِي الْقَوْمَ آخِرُهُمْ شُرْبًا. قَالَ: فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً».وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي ثُمَّ قَالَ: أَبَا هِرٍّ. قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْحَقْ. وَمَضَى فَتَبِعْتَهُ فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لِي فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟ قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةٌ. قَالَ: أَبَا هِرٍّ. قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي. قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، كُنْتُ أَحَقُّ أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ.قَالَ: أَبَا هِرٍّ. قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ: خُذْ فَأَعْطِهِمْ. قَالَ: فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يُرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، فَأُعْطِيَ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يُرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رُوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ: يَا أَبَا هِرٍّ. قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ: بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ. قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ: اقْعُدْ فَاشْرَبْ. فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: اشْرَبْ. حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكُ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا. قَالَ: فَأَرِنِي. فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ».وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن داود المهر حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ: «أَنَّ يَهُودِيَّةً مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ سَمَّتْ شَاةً مَصْلِيَّةً ثُمَّ أَهْدَتْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذِّرَاعَ فَأَكَلَ مِنْهَا وَأَكَلَ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ. وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَرْأَةِ فَدَعَاهَا فَقَالَ لَهَا: أَسَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ؟ قَالَتِ الْيَهُودِيَّةُ: مَنْ أَخْبَرَكَ. قَالَ: أَخْبَرَتْنِي هَذِهِ الَّتِي فِي يَدِي. وَهِيَ الذِّرَاعُ. قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا أَرَدْتِ بِذَلِكَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَلَنْ تَضُرَّكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَبِيًّا اسْتَرَحْنَا مِنْكَ». الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا. لَكِنِ الشَّاهِدُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَصْرَحُ وَهُوَ قَوْلُهُ: «أَخْبَرَتْنِي هَذِهِ». لِلذِّرَاعِ. وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي عَامَّةِ الْأُمَّهَاتِ وَغَيْرِهَا. وَدَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى فِي الْأَسْفَارِ فَضْلًا عَنْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ، وَقَدْ جُمِعَتْ فِيهَا التَّصَانِيفُ الْمُسْتَقِلَّاتُ مِنَ الْمُخْتَصَرَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.وَكَذَا قَدْ صُنِّفَتِ التَّصَانِيفُ الْجَمَّةُ فِي صِفَاتِهِ الْخَلْقِيَّةِ وَالْخُلُقِيَّةِ وَسِيرَتِهِ وَشَمَائِلِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ مَعَ الْحَقِّ وَمَعَ الْخَلْقِ، فَلْتُرَاجِعْ لَهَا مُصَنَّفَاتَهَا. وَكَذَا خَصَائِصَهُ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ السَّمَاوِيِّينَ وَالْأَرْضِيِّينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى مُهِمَّاتٍ مِنْ ذَلِكَ.
|